الحركة النقابية
ومعضلة الانشقاقات
في 20 مارس 1955 وبأحد منازل درب الفداء بالبيضاء تم تأسيس الاتحاد المغربي للشغل كإطار نقابي يهدف إلى جمع الطبقة العاملة .وإذا كانت هذه الحركة النقابية قد خضعت لاعتبارات الحركة الوطنية، فإن العمل النقابي ولحد الساعة بعد أن أصبحت التعددية إحدى خصائصه لازال يرتبط في جزء كبير منه بالجانب السياسي لا سيما الانشقاقات التي حدثت في مسار الحركة النقابية التي وقفت في مفترق الطرق أكثر من مرة ( 1960 تأسيس الاتحاد العام للشغالين بالمغرب 1978 تأسيس الكونفدرالية الديمقراطية لشغل ) مما خلف وضعا خاصا شجع على الانشقاقات في صفوف بعض الأحزاب وظهور العديد من النقابات التي لا تنضوي في إطار المركزيات وقد كانت في مجملها مجرد إطارات شكلية " تحت الطلب " على حساب التعدد الأول الذي قام على اختلاف التوجهات الموافق والآراء بشأن العمل السياسي والعمل النقابي .
وهكذا كانت المبررات التي يأتي بها المنشقون غير ذات اختلاف كبير، فالاتحاد العام للشغالين بالمغرب ( حزب الاستقلال ) عزا انفصاله من الاتحاد المغربي للشغل في الستينات إلى دخول المركزية مرحلة التسيب وانحرافها عن العمل النقابي الذي شكل الهدف الأساسي لتأسيسها .
في حين يرى مؤسسو الكونفدرالية الديمقراطية للشغل أن الاتحاد المغربي للشغل حسب تعبيرهم " سياسة خبزية " و" توجها بيروقراطيا بورصويا " وتنكره لالتزاماته السياسية التي شكلت النواة الحقيقية لبنائه حيث يرى " الكونفدراليون " أن الاتحاد المغربي للشغل بدأ يبتعد عن العمل النقابي منذ1963 بعد أن رفع ( الجهاز " شعار الخبز " الذي كان مجرد تهرب واستنكار مقنع لكل نضال فعلي . )
يبقى التساؤل المطروح هنا إذن : إلى أي حد حافظت هذه الإطارات البديلة على تحقيق الأهداف التي من أجلها آثرت الانشقاق والانفصال عن المركزية الأولى ؟ ومن جانب آخر إلى أي حد حافظت القوى التي اختارت " الوحدة النقابية " ورفضت الانشقاق على مصداقية العمل النقابي وأهدافه ؟
هذه الأسئلة لا يمكن الإجابة عنها إلا نسبيا، لأن كل مركزية تدعي الاستقلال وترفع شعار " النضال والعمل النقابي من أجل تحسين وضعية العامل .
موضوعيا لا يمكن الإجابة عن هذه الأسئلة بالسلب أو الإيجاب، كما لا يمكن الحكم على هذه الانشقاقات بالفشل أوالنجاح لأنها وإن لم تحقق كل أهدافها فهي قد حققت الرغبة في الاختلاف وإن كانت منطلقات هذا الاختلاف تعود إلى مزايدات ومواقف سياسية قد تكون خاطئة في مجملها، فلا يمكن بأي حال من الأحوال الانصراف إلى إنتاج أحكام القيمة هاته التي كانت سببا أساسيا، بل لا زالت لحد الآن السبب في عدم جدوى الاتفاق على وحدة الملفات المطلبية أوتحقيق الخطاب النقابي الداعي إلى وحدانية تمثيلية ضمن إطار موحد بخصوص تسيس العمل النقابي، فالملاحظ أنه بدأ يحيد عن السكة التي يجري فيها قطار المطالب النقابية، بل يكاد العديد من الناس يجزمون بأن ذلك من بين السلبيات التي تهدد تحقيق الأهداف النقابية التي تتحول إلى أغراض أخرى " ركوبا على العمل النضالي مما يؤدي لا محالة إلى تشويه الملف المطلبي وغياب المصداقية أو على العكس من ذلك تحقيق تقدم قوى على مستوى الملفات المطلبية وراء دوافع سياسية مما يجعل من المركزية النقابية تابع لطرف سياسي أو أداة في يد هذا الطرف يستعملها للعب بالتوازنات في الساحة السياسية . "
بعيدا عن مشاكل الانتماء والتأطير السياسي للعمل النقابي يجب الاعتراف بالدور ( وإن كان جزئيا ) الذي يجب أن تلعبه النقابات على المستوى الاجتماعي وتطوير قوانين الشغل .
غير أن هذه " الفرضية " التي كان من الممكن أن تشكل " مسلمة " لولا الظروف التي هيأت لخلق العمل النقابي والمركزيات النقابية ما زالت تشكل أساسا للتساؤل حول وظيفة النقابة، ودورها الاجتماعي ؟ بل أكثر من ذلك هل تسمح الحريات النقابية بتطوير ودعم المسار التنموي أو تعرقله ؟ ومن الضامن لهذه الحرية ؟
من المفترض أن يكون الدستور هو الضامن للحق النقابي والممارسة النقابية وهو بالفعل ما وقع عند تغيير ظهير 1936 بعدما صدر ظهير 12 شتنبر 1955 الذي نص بصراحة على أن التمتع بالحق النقابي يسري على جميع المغاربة، ثم جاء بعد ذلك ظهير 1957 الذي ينص على تنظيم الحق النقابي .
لكن كيف يساهم العمل النقابي في دعم التنمية الاجتماعية ؟
إن الدعم الأساسي للتنمية الاجتماعية هوالذي تقدمه العناصر البشرية والاجتماعية وتكون هذه العناصر أكثر فعالية عندما تنتظم داخل إطار يوحدها ويدافع عن مطالبها لتطوير إنتاجيتها وبالتالي دفع عجلة التنمية من خلال التدخل والتأثير في الظروف المهيأة لقانون الشغل باعتباره أداة مهمة في مسلسل التنمية الاجتماعية في إطار استمرار الشغل وحل النزاعات الفردية والجماعية والتقدم بالحوار الاجتماعي والمفاوضة المبنية على التعاقد وإنتاج الاتفاقيات والتوصيات ثم ترجمتها على أرض الواقع مع الاحتفاظ بحق الرقابة والتدخل .
مما لاشك فيه أن النقابات تلعب دورا أساسيا في تطوير قانون الشغل باعتبارها جهازا تأطيريا وتمثيليا للدفاع عن مصالح العمال والعنصر البشري مراعاة مع الظروف الاجتماعية والاقتصادية الرهينة بتوفر شروط مشجعة على العمل النقابي وتسمح بالممارسة النقابية في ظروفها الطبيعية دون إغفال المشاركة على مستوى اتخاذ القرارات الخاصة بالشغيلة لا سيما مراجعة ترسانة التشريعات والقوانين التي تنظم سوق العمل وإدخال التعديلات على الإصلاح الشامل للقانون الاجتماعي باعتباره الحقل الواسع الذي تلعب فيه النقابات دورها في دعم التنمية الاجتماعية وضمان الحقوق العمالية .